التسويق الرقمي الناجح يعتمد على الجمهور: دليل مختصر لنتائج إيجابية

تم النشر في: 14 يناير 2024

المدونة

تختلف المنتجات باختلاف طبيعتها وجودتها ومفرداتها، ومهما تنوع كل ما سبق؛ يبقى هناك عميل لكل منتج. لكن الوصول للعميل يحتاج إلى التسويق، والتسويق في حد ذاته تُكتب فيه مجلدات فوق مجلدات ولن يصل المرء إلى قمة المعرفة فيه. المثير للانتباه أن بعد ظهور الإنترنت ظهر فرع جديد تمامًا من التسويق باسم التسويق الرقمي وسرعان ما تمكن من الاستحواذ على الساحة، بل وقام بتغيير معايير التسويق كلها تقريبًا.


خلال السطور التالية سنتحدث عن علاقة التسويق الرقمي مع الجمهور، وكيفية فهمه بطريقة صحيحة لتحقيق أفضل نتائج تسويقية ممكنة في أقل فترة زمنية، وكذلك بأضيق ميزانية متاحة

تاليًا سنقسم المحتوى إلى جزئين. الأول يهتم بالجانب النفسي من الجمهور، والثاني يهتم بالجانب المادي.

 النفسي يعتمد على فهم الجمهور بصورة عميقة للغاية؛ حيث تتم مناقشة الأبعاد النفسية لقرارات الشراء والتصفح على الإنترنت عمومًا، بينما المادي يعتمد على فهم كيفية دراسة سلوك الجمهور؛ لأنه يتغير على الدوام بتغير الظروف المحيطة.

التسويق الرقمي وعلاقته بالجمهور: الجانب النفسي

الجمهور لا يحب أن تسوق له منتجات

هذا تراه واضحًا في كل منصات التواصل الاجتماعي تقريبًا، دائمًا ما يتم التغاضي عن الإعلانات جملة وتفصيلًا، وهذا لأنها في العادة تكون تكرارية ومملة ولا تخدم العميل المحتمل في شيء فعليًّا؛ أي أنها تطمح لجذبه إلى منتج معين بهدف الشراء المباشر، مع وجود طبقات من التجميل السردي والتعديد في المميزات والخواص وما إلى ذلك

الجمهور لا يحب التسويق الرقمي ببساطة لكونه يأخذ من تجربة التصفح التقليدية، ويُقلل من ظهور المنشورات والصفحات التي تهم المستخدم فعلًا.

لكن، أيعني هذا التخلي عن التسويق عبر الإنترنت تمامًا؟

بالطبع لا، وهذا ينقلنا للنقطة التالية.

التسويق الإبداعي شخصي والتقليدي تجاري

يهدف التسويق التقليدي لدفع العميل المحتمل مباشرة للقيام بعمل فيه منفعة محددة تجاه صاحب المنتج، وتكون في العادة عملية شراء من خلال متجر إلكتروني. لكن هذا كما قلنا... "تقليدي"

وكل ما هو تقليدي ممل ويتم التغاضي عنه، فلما لا نقوم بعكس المعادلة؟ لما لا نقدم للعميل المحتمل إعلانًا لا يود أن يتخطاه سريعًا؟

حسنًا، الإجابة دائمًا وأبدًا تتمحور حول التجربة الشخصية

الذي يجذب الناس للمنشورات المختلفة هو كونها حاملة لكلمات وتعابير وصور وإطارات تجذب انتباههم، أي أنها لا تهدف لدفع المستخدم لشراء شيء، بل للتفاعل ليس إلا، بإعجاب أو تعليق مثلًا. هنا لا يكون المستخدم مجبرًا على شيء، أي أنه لا يشعر بالاستغلال، وهذا بالمقارنة مع المنشورات العدائية البحتة التي تتوقع منه الضغط على رابط والاتجاه لصفحة متجر

لهذا نرى الشركات عالميًّا اتجهت مؤخرًا إلى وضع المنتجات في نهاية أولوياتها التسويقية، وبدلًا منها تضع المنشورات التفاعلية والعبارات المُحفزة للمشاعر في المقدمة.

لنضرب مثالًا، أنت صاحب مطحنة قهوة سعودية، تقدم ثلاثة أنواع، ولكل نوع تسعيرة ومميزات خاصة، لكنك قررت وضعهم جميعًا في إعلان واحد ليكونوا ضمن عرض خاص لفترة محدودة بسعر استثنائي. هذه فرصة عظيمة للعميل المحتمل، ودور التسويق الرقمي هو إيصالها له، لكن هل تتساوى كل طرق الإيصال ببعضها البعض؟

لنكتب إعلانين لنفس العرض سويًّا:

  • الإعلان الأول (شخصي): مع مطحنة "..." استمتع بتجربة أصيلة للقهوة السعودية، مع ثلاث نكهات مختلفة بأجواء وإضافات تحلي جوك و. بسعر واحد -لكن ترا الكمية محدودة- احصل على عرضك الآن معنا.
  • الإعلان الثاني (تجاري): تقدم مطحنة "..." القهوة السعودية بنكهات (1) و(2) و(3) بسعر واحد مخفض. احرص على الشراء قبل نفاذ الكمية!

يهتم الإعلان الأول بتوضيح الفائدة الشخصية للمنتج، القهوة معروف كونها للمزاج، تصفي الذهن وتجعل جلسات الأصدقاء أفضل، ولهذا تم وضع كل ما سبق في الحسبان. بعد انتهاء العميل المحتمل من قراءة المنشور، ستكون لديه رغبة في فتح الرابط، ببساطة لأنه وجد نفسه في الإعلان

بينما يعتمد الإعلان الثاني على إيصال العرض للجمهور مع وضع أمر مباشر بالشراء، ثم تجميله بجملة "قبل نفاذ الكمية" لخلق شعور بالخوف من إفلات الفرصة – Fear of missing out أو ختصارًا: "FOMO". هنا يشعر العميل المحتمل بالتكبيل، وإذا اشترى المنتج سيشتري وكله آمال ليكون ممتازًا من كافة النواحي، وبالتبعية ستصبح كل مشكلة بسيطة في التغليف، الشحن، أو حتى طريقة التحضير؛ ذنبًا لا يغتفر ينتج عنه تقييم من أسوأ ما يكون.

التسويق الرقمي وعلاقته بالجمهور: الجانب العملي

الإعلانات التجريبية تُعرفك على جمهورك

التسويق الرقمي في جوهره يعتمد على إيصال المنتج للجمهور عن طريق الإنترنت، وبينما تعمل منصات التواصل الاجتماعي على تقليل الوصول الطبيعي Organic reach يومًا بعد يوم؛ يصير من البديهي التوجه للوصول المدفوع Paid reach لأنه المضمون من حيث النتائج.

لكن هل تقوم كل الحملات بإعطاء نفس النتائج إذا كانت كلها بنفس الميزانية؟

بالتأكيد لا، هناك عشرات العشرات من المتغيرات التي تدخل في المعادلة، مثل محتوى الإعلان من نصّ وصور ومقاطع فيديو، اهتمامات الجمهور، الشريحة الجغرافية، نوعية المنتج الذي يتم تسويقه، رغبة الجمهور في الشراء، وقت الإعلان، مقدار المنافسة في السوق، وغير ذلك.

لهذا ما يقع فيه المسوقون الجدد هو عدم الاهتمام بفهم الجمهور قبل بدل الإعلان، وبالتبعية يتم عمل حملات إعلانية لا تحقق النتائج المطلوبة، وفي نفس الوقت تستهلك الميزانية كلها تقريبًا في فترة زمنية قصيرة جدًا. 

التسويق الرقمي الذكي يتمثل في فهم الجمهور عبر الحملات الإعلانية التجريبية، والتي تكون حملات تحمل نفس طابع الحملات النهائية، لكن مع ميزانية أقل بكثير. مثلًا إذا خصصت 100 دولار لحملة مدتها عشرة أيام على أنها حملتك النهائية؛ لنقم بأخرى تجريبية بقيمة 10 دولار لمدة يوم. 

نتائج الحملة التجريبية ستساعدك على فهم آلية عمل الحملة النهائية عند البدء فيها فعلًا، وهذا لأن النتائج تتضمن:

  1. تكلفة النقرة الواحدة على إعلانك (خصوصًا إذا كانت به صور).
  2. تكلفة النقرة الواحدة على الرابط المُدرج بالإعلان (غالبًا متجر).
  3. تكلفة الظهور الواحد للإعلان في حائط منشورات المستخدم.
  4. عدد تفاعلات الجمهور مع المحتوى المُعلن عنه (إعجابات).
  5. عدد مشاركات المحتوى (يقيس مقدار كونه محفزًا للجمهور).

لنقل إنك خرجت من الحملة التجريبية ذات ميزانية 10 دولارات وزمن يوم واحد، بتكلفة نقرة على رابط متجرك تساوي 0.45 سنت، وبذلك حصلت على 22 أو 23 نقرة، هذا يعني أن نتيجة الحملة النهائية ذات ميزانية 100 دولار وزمن 10 أيام ستكون حوالي 222 نقرة، أي بمعدل 22 نقرة لكل يوم.

هل 22 نقرة يوميًّا رقم مناسب لأهدافك التسويقية؟

إذا كانت الإجابة نعم، ستكون الميزانية كما هي، وإذا كانت لا ستقوم بزيادة الميزانية بالطبع.

نفس الأمر ينطبق على كافة النتائج الأخرى التي توفرها الحملة التجريبية. مع هذا النوع من الحملات يكون التسويق الرقمي سهلًا للغاية. ببساطة، يتعامل الإنسان بكفاءة في ظل وجود قاعدة بيانات للنتائج المحتملة. إذا علمت أن أسعار القهوة ستزيد خلال الأسبوع القادم؛ ألن تستثمر في عبوات كثيرة وبالتالي توفر التكلفة على نفسك؟

الجمهور يحب التواصل المباشر

تبني العلامات التجارية ولاء العملاء عن طريق التواصل بصورة مباشرة معهم، مثلًا يهتم رئيس شركة أبل بالظهور في كل مؤتمر صحفي كبير وكل فرصة لإطلاق منتج جديد، ويتحدث مباشرة إلى العميل المحتمل ويوجه له الخطاب، وكذلك تشتهر الشركة بكونها صاحبة أفضل خدمة عملاء في العالم تقريبًا. هذا يصبّ بالتدريج في مصلحة الشركة ويعتبر تسويقًا غير مباشر، لكن كيف نستفيد من التواصل الشخصي في التسويق الرقمي وتحويله من أداة عامة إلى أداة متخصصة؟

يمكنك التواصل مع الجمهور في نطاق التسويق الإلكتروني من خلال التشجيع على التفاعل فقط، لا التشجيع على الشراء.

تخيل أنك الآن صاحب متجر أجهزة منزلية، ولديك جمهور بالفعل، أمامك الآن خياران للتسويق الرقمي المبني على التواصل الشخصي:

  1. عمل حملة تشجع العميل المحتمل على التفاعل.
  2. عمل منشور يشجع العميل الحالي على التفاعل.

الخيار الأول يهتم بجذب العملاء المحتملين من الفضاء الرقمي، فيكون المنشور مثل: "الأجهزة المنزلية باهظة هذه الأيام، ما الجهاز الذي تود رؤيته مخفضًا؟". هذا سيشجع كل من شاهد الإعلان على التعليق، وإذا كنت محظوظًا ستحصد بعض الإعجابات أيضًا. الهدف من هذا الخيار هو الحصول على إعجابات للصفحة وإظهار اسم متجرك إلى النور.

أما الخيار الاني فيهتم بتوطيد العلاقة مع العملاء الحاليين والذين قاموا بالإعجاب بصفحة المتجر بالفعل، وربما اشتروا أكثر من منتج في السابق، فيكون المنشور مثل: "شاركنا مشكلة واجهتك مع أحد أجهزتك المنزلية وكيف حللتها بدون الحاجة للذهاب لمتخصص!". هؤلاء يعجبهم متجرك، لكن ينقصهم الولاء، ولهذا يهدف الخيار لتشجيعهم على مشاركة تجربة شخصية مع الصفحة، لكن الهدف الحقيقي هو إعادة نشر المنشور، لأن كل واحد فيهم سيفخر بكيفية حله للمشكلة أمام قائمة الأصدقاء الطويلة خاصته، وأي شعور مؤقت بالانتصار كفيل بتحقيق انتشار مجاني لك.

كيفية معرفة متغيرات التسويق الرقمي

هذا هو العنوان الفرعي الأخير في حديث اليوم.

سابقًا سلطنا الضوء على الجمهور من الجانبين النفسي والعلمي، عرفنا أن الجمهور متقلب ويحب التجربة الشخصية والتواصل المباشر ولفهمه جيدًا يجب الاعتماد على طرق عملية بحتة. 

لنفترض أننا حققنا الغاية النهائية من التسويق الرقمي الناجح: مبيعات!

لكن للأسف، أتت فترة هبطت فيها المبيعات بشدة وفجأة تغيرت نتائج الحملات التسويقية وحتى صارت نتائج الحملات التجريبية غريبة وغير متوقعة وتتضمن تكلفة مرتفعة جدًا للنقرة الواحدة. المنظومة تنهار من حولنا ويبدو أنها نهاية الطريق.

حسنًا... ليس بعد...

هذا تغيُّر منطقي يحدث في أي سوق بجميع أنحاء العالم، وبالتأكيد تكون المؤثرات الرئيسية هي الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الأوبئة، الحروب، أو الكوارث الطبيعية. لكن ماذا إذا وضعنا كل ما سبق في الحسبان ولم يكن السبب ضمنهم؟ أي ما زال مجهولًا؟

هنا عليك اللجوء إلى الاستبيانات.

الاستبيان مهمته هي الحصول على إجابات دقيقة من الجمهور بهدف تحويلها إلى بيانات تتمثل في أرقام على جداول بيانية يسهل فهم تغيرات السوق من خلالها. 

تخيل أن متجرك يبيع أكواد الشحن في ألعاب الفيديو، والشريحة المستهدفة هم الشباب. بدون سابق إنذار هبطت المبيعات ولجأت لعمل استبيان. الآن أطلب منك أن تجعل أسئلة الاستبيان دقيقة ومباشرة وقابلة للقياس مثل:

  • كم مرة تقوم بالشحن في ألعاب الفيديو خلال الشهر؟
  • كم مرة شحنت في الثلاثة أشهر الماضية؟
  • ما ألعاب الفيديو التي شحنت فيها سابقًا؟
  • هل أصبح الشحن خارج قائمة الأولويات؟
  • ما اللعبة التي ترحب بوجود خصم عليها؟
  • كم مستعد أن تدفع شهريًّا في شحن الألعاب؟
  • ما الأهم: شحن في اللعبة أم مجرد الشراء؟

ولتشجيع الناس على المشاركة، يمكنك وضع جائزة بسيطة في نهاية الاستبيان، مثل كود شحن للعبة معينة أو كوبون خصم على باقة شحن في المتجر. عادة ما تكون وسائل التشجيع هي بطاقات بقيمة خمسة أو عشرة دولارات لمتاجر مثل أمازون أو نوون، يمكنك وضع وسيلة تناسب ميزانيتك ولن يشتكي الجمهور، كل ما هو مجاني مرغوب، حتى وإن كان قليلًا.

نتيجة الأسئلة السابقة تكون حاسمة ويمكنك بها فهم متغيرات السوق، وبالتالي تستطيع إعادة صياغة خطة التسويق الرقمي من الصفر. مثلًا في السابق كنت تضع اللعبة (أ) و(ب) ضمن اهتمامات الجمهور، لكن اتضح أن لعبة (أ) هبطت في الشعبية، الآن تضع اللعبة (ب) مع لعبة (ج) و(د) في القائمة مع التركيز (ب) تحديدًا عليها لأنها صاحبة الصدارة حاليًّا.

بالمختصر المفيد؛ التسويق الرقمي بحر كبير، لكن قراءة ما سبق مرة أخرى بعناية كفيل بمنحك زورقًا تُبحر به لبر الأمان